مع ارتفاع الطلب على الشراء عبر الإنترنت في الشرق الأوسط، تواجه شركات التجارة الإلكترونية ضغوطًا متزايدة لتقديم خدمات توصيل أسرع وأكثر كفاءة. وفي ظل ارتفاع تكاليف التشغيل وصعوبة الاعتماد على العمليات اليدوية، أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) هو المفتاح الذي يغيّر قواعد اللعبة في مجال اللوجستيات والتوصيل.
من المملكة العربية السعودية إلى مصر والإمارات، بدأت شركات التكنولوجيا والتجزئة الكبرى في دمج حلول الذكاء الاصطناعي عبر سلاسل الإمداد — من التنبؤ بالطلب إلى التوصيل عبر المركبات الذاتية والطائرات بدون طيار. النتيجة: منظومة توصيل أكثر ذكاءً، وأقل تكلفة، وأسرع من أي وقت مضى.
من الباركود إلى الخوارزميات: تطوّر خدمات التوصيل
شهدت الخدمات اللوجستية تطورًا تدريجيًا عبر العقود. بدأت القفزة الأولى في السبعينيات مع إدخال الباركود، الذي سهّل تتبع المخزون. وفي التسعينيات، ساعدت الأنظمة المحوسبة على تحسين دقة الطلبات، ثم جاءت ثورة الـ GPS في الألفية الجديدة لتسمح بتحسين مسارات التوصيل.
لكن التحوّل الحقيقي بدأ في العقد الأخير مع دخول الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي إلى المشهد.
شركات مثل نون (Noon) وأمازون الشرق الأوسط وجوميا بدأت في استخدام خوارزميات تتنبأ بالطلب وتعيد تصميم العمليات اللوجستية لتقليل زمن التوصيل وتحسين تجربة العملاء.
الذكاء الاصطناعي يدخل قلب التجارة الإلكترونية
يتيح الذكاء الاصطناعي اليوم للشركات أتمتة مراحل كاملة من دورة التوصيل — بدءًا من التنبؤ بالطلب، مرورًا بإدارة المخزون، وحتى تحسين المسارات في آخر ميل من عملية التسليم.
تشمل التطبيقات العملية في المنطقة:
-التنبؤ الذكي بالطلب: تحليل بيانات المبيعات وسلوك المستهلكين لتحديد الكميات المطلوبة في كل مدينة أو منطقة.
-إدارة المخزون الآلية: خوارزميات تتوقع احتياجات المخزون وتقوم بإعادة الطلب تلقائيًا.
-تحسين تجربة العملاء: روبوتات دردشة تعتمد على معالجة اللغة الطبيعية (NLP) توفر تحديثات فورية عن حالة الطلب.
في السعودية مثلاً، تطبّق شركات مثل جاهز ومرسول حلولًا تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتوجيه السائقين عبر المسارات الأسرع حسب حالة المرور والطلب في الوقت الفعلي.
التنبؤ بالطلب وتقليل الهدر
تعتمد شركات التجزئة في المنطقة على خوارزميات التعلم الآلي لتحليل بيانات الشراء السابقة والعوامل الخارجية مثل المواسم أو المناسبات الدينية، لتوقع فترات الذروة بدقة.
هذا التنبؤ يمكّن الشركات من تطبيق نموذج المخزون في الوقت المناسب (Just-in-Time)، وهو ما يقلل من تكاليف التخزين والهدر، خصوصًا في القطاعات الحساسة مثل الأغذية أو الأدوية.
على سبيل المثال، بدأت بعض سلاسل السوبرماركت الكبرى في الإمارات ومصر باستخدام أنظمة تحليل بيانات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتجنب نقص السلع خلال المواسم المرتفعة مثل رمضان أو العطلات.
المركبات الذاتية والطائرات المسيّرة: مستقبل “آخر ميل”
يمثل الذكاء الاصطناعي الأساس لتقنيات التوصيل الذاتي، سواء عبر المركبات أو الطائرات بدون طيار.
في دبي والرياض، أطلقت جهات حكومية وخاصة تجارب ميدانية لاستخدام الروبوتات والطائرات المسيّرة في توصيل الطرود الصغيرة داخل الأحياء.
هذه التقنيات لا تسهم فقط في تقليل تكاليف التشغيل، بل تساعد أيضًا في تقليل الانبعاثات الكربونية.
ومن المتوقع أن يتوسع هذا الاتجاه خلال السنوات الخمس المقبلة، مع تطور البنية التحتية التنظيمية وازدياد الاعتماد على المركبات الكهربائية والأنظمة المستقلة.
إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي: شفافية في كل خطوة
تمنح تقنيات إنترنت الأشياء (IoT) شركات التوصيل في الشرق الأوسط رؤية شاملة لرحلة الطرد من المستودع إلى باب العميل.
من خلال مستشعرات ذكية وأجهزة تتبع GPS، يمكن للشركات مراقبة درجة الحرارة والسرعة والموقع في الوقت الفعلي.
أما الذكاء الاصطناعي فيحلل هذه البيانات فورًا، ليكتشف التأخيرات المحتملة أو الانحرافات عن المسار، ويقترح حلولًا فورية.
هذه الشفافية تعزز ثقة العملاء، إذ يحصل المستخدم على تحديث لحظي لحالة الطلب عبر التطبيق أو الرسائل النصية، مما يقلل الشكاوى والاستفسارات بنسبة كبيرة.
التحديات في الطريق إلى الأتمتة الكاملة
رغم التقدم الكبير، إلا أن هناك تحديات تواجه تطبيق الأتمتة الذكية في المنطقة:
-البنية التحتية التقنية لا تزال متفاوتة بين الدول.
-الكوادر المؤهلة في مجالات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات محدودة.
-الإطار التنظيمي لتقنيات مثل الطائرات المسيّرة ما زال قيد التطوير في كثير من الأسواق.
ومع ذلك، فإن حجم الاستثمارات المتزايد في الذكاء الاصطناعي، خصوصًا من السعودية والإمارات، يشير إلى تسارع وتيرة التحوّل في القطاع اللوجستي خلال السنوات المقبلة.
لا يوجد تعليقات بعد كن اول من يعلق.
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّة واحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.