مع اقتراب عام 2026، تدخل شركات التجارة الإلكترونية في مصر مرحلة جديدة من التحديات، في مقدمتها الزيادة المرتقبة في أسعار الشحن. هذه الزيادة لا تمثل مجرد رقم إضافي على فاتورة التكاليف، بل تفرض على الشركات إعادة التفكير في نماذج التسعير، واستراتيجيات الدفع، وبناء الثقة مع العملاء، وحتى طريقة إدارة تجربة الشراء بالكامل. السؤال الأهم الآن ليس هل سترتفع أسعار الشحن؟ بل كيف ستتكيّف الشركات مع هذا الواقع الجديد دون التأثير على المبيعات أو رضا العملاء؟
تحريك الأسعار
وليد راشد، مؤسس شركة Sideup، وضع رؤية واضحة لما يحدث في سوق الشحن، ولماذا وصلت الأسعار إلى هذه المرحلة، وما الذي يجب أن تستعد له الشركات خلال الفترة المقبلة.
حيث كتب عبر حسابه على LinkedIn "اعتبارًا من 1 يناير 2026، سيبدأ تحريك أسعار شحن منتجات التجارة الإلكترونية في مصر، بنسبة تتراوح بين 10% و15% مقارنة بالأسعار الحالية لشركات الشحن. والحقيقة أن هذه الزيادة ليست بسيطة."
وأضاف أنه فيما يلي مجموعة من النقاط التوضيحية المهمة:
أسباب الزيادة
الزيادة ناتجة عن تراكب ثلاثة عوامل رئيسية:
- الزيادة الأخيرة في أسعار البنزين في مصر بتاريخ 17 أكتوبر
- الزيادة السنوية التي تطبقها شركات الشحن لمواجهة ارتفاع التكاليف التشغيلية
- تصحيح أخطاء تسعيرية تراكمت خلال سنوات من التسعير غير الواقعي لخدمات الشحن
الدفع عند الاستلام هو التحدي الأكبر
وأشار إلى أن أكبر عامل مؤثر في تكلفة شحن التجارة الإلكترونية في مصر هو الدفع عند الاستلام (Cash on Delivery)، لأنه يمثل أعلى تكلفة على شركات الشحن، نتيجة:
- تنسيق المواعيد مع العميل
- إعادة محاولة التسليم أكثر من مرة
- أعذار متكررة مثل “مش معايا فلوس دلوقتي” أو “مش موجود في البيت”
وكل ذلك يتم بنفس سعر الشحن الثابت، ما يجعل هذا النموذج أكبر تحدٍ تواجهه شركات الشحن في السوق المصري.
أزمة ثقة وليست أزمة وسائل دفع
السبب الرئيسي لاعتماد الدفع عند الاستلام ليس غياب حلول الدفع الإلكتروني، بل أزمة ثقة بين البائع والمشتري، وتشمل:
- ضعف الثقة في اسم البراند
- الشك في جودة المنتج
- عدم وضوح سياسات الاستبدال والاسترجاع
- غياب جهة حكومية واضحة تحمي حقوق جميع الأطراف
(وهذا ملف طويل يحتاج إلى نقاش أعمق).
الرابحون في 2026
أضاف راشد أن العلامات التجارية التي ستنجح في:
- زيادة نسبة الدفع المسبق
- أو تقليل الاعتماد على الدفع عند الاستلام
ستكون الأكثر حظًا في عام 2026، وستحصل على معاملة أفضل وأسعار أقل من شركات الشحن.
وهذه النقطة تحديدًا تحتاج مجهودًا حقيقيًا واستثمارًا في بناء الثقة والبراند.
متوسط أسعار الشحن في القاهرة
ويشير إلى أنه من المتوقع أن يصل متوسط سعر الشحن داخل القاهرة خلال 2026 إلى نحو 100 جنيه
(في بعض الحالات 80–90 جنيهًا، وفي حالات أخرى 120 جنيهًا).
وبالمناسبة، هذا الرقم يعادل تقريبًا دولارين، وهو رقم متواضع جدًا عند مقارنته بالأسعار العالمية.
أزمة حقيقية لشريحة كبيرة من التجار
سعر شحن 100 جنيه سيمثل تحديًا كبيرًا لنحو 65% إلى 75% من التجار في مصر،
نظرًا لأن متوسط سعر بيع منتجاتهم لا يتجاوز 600 جنيه،
ما يعني أن تكلفة الشحن قد تصل في بعض الحالات إلى 15%–20% من سعر المنتج.
خارج القاهرة الوضع أصعب
أضاف أن سعر 100 جنيه هو متوسط القاهرة فقط، والتي تمثل نحو 60% من طلبات التجارة الإلكترونية في مصر.
أما في باقي المحافظات، فقد يصل سعر الشحن إلى 200 جنيه في بعض المناطق دون مبالغة.
السعر الرخيص ليس الحل
ويؤكد أن أي شركة شحن تقدم سعرًا منخفضًا جدًا لن تكون الحل، بل قد تكون مشكلة حقيقية. في النهاية ستدور في حلقة مغلقة، وتعود للتعامل مع السعر الأعلى. السعر الرخيص غالبًا ما يقابله أزمات أكبر من أزمات السعر المرتفع.
ماذا يعني السعر الرخيص؟
- تأخير في تحويلات الأموال
- غياب الأنظمة التكنولوجية المحترفة
- ضعف جودة الشحن وتجربة العميل
- خدمة عملاء غير موجودة أو غير فعّالة
الخلاصة
وفي النهاية يقول وليد راشد "من وجهة نظري، أسعار شركات الشحن ليست مرتفعة بقدر ما هي جزء من موجة تصحيح شاملة لأسعار كل شيء في السوق المصري. شركات الشحن دائمًا ما تصل متأخرة في هذا التصحيح، ومع تراكم الضغوط لسنوات، تأتي الزيادة كبيرة ومفاجئة."
ما يجب فعله
بالإضافة إلى كلام وليد راشد، نرى أن زيادة أسعار الشحن في 2026 تفرض على شركات التجارة الإلكترونية الانتقال من التفكير قصير المدى إلى بناء نماذج تشغيل أكثر استدامة. أول خطوة ستكون إعادة هيكلة التسعير، سواء من خلال دمج جزء من تكلفة الشحن في سعر المنتج، أو تقديم شحن مدعوم بشروط محددة مثل الحد الأدنى للطلب.
في الوقت نفسه، ستحتاج الشركات إلى التركيز بشكل أكبر على تحسين تجربة العميل لتقليل المرتجعات ومحاولات التسليم الفاشلة، لما لها من تأثير مباشر على تكلفة الشحن. كما سيزداد الاعتماد على الدفع الإلكتروني المسبق كوسيلة لخفض التكاليف وتحسين التدفقات النقدية.
وعلى المدى المتوسط، ستتجه بعض الشركات إلى تنويع شركاء الشحن، أو التعاقد طويل الأجل بأسعار تفاوضية أفضل، بينما ستلجأ علامات أخرى إلى الاستثمار في التكنولوجيا وتحليل البيانات لتحديد المناطق الأعلى كفاءة في التوصيل.
في النهاية، الشركات التي ستنجح في 2026 هي تلك التي تنظر إلى الشحن كجزء من تجربة العميل ونموذج العمل، وليس مجرد تكلفة تشغيلية.
لا يوجد تعليقات بعد كن اول من يعلق.
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّة واحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.