في العقود الأخيرة، ومع تطوّر الهواتف الذكية وانتشار الإنترنت إلى كل زاوية، باتت رموز الاستجابة السريعة (QR Codes) جزءاً لا يتجزأ من التجربة الرقمية اليومية. هذه المربعات الصغيرة، التي يمكن مسحها بالكاميرا، تحولت إلى بوابة للمدفوعات، التنزيلات، الوصول إلى المواقع، العروض الترويجية، وحتى التبرعات.
لكن مع هذا الانتشار الزائد، بدأت الأصوات التحذيرية ترتفع من أن هذا السلاح الرقمي السهل يمكن أن ينقلب إلى أداة في يد المهاجمين الإلكترونيين، ليصبح «الرمز السريع، والمخاطر المخيفة».
في هذا التقرير، تستعرض منصة ايكومرس بالعربي كيف تتحول رموز QR إلى عائق أمني في بعض الحالات، ونقترح توصيات لحماية المستخدمين والمؤسسات.
تطوّر استخدام رموز QR في المدفوعات الرقمية
في البدايات، كانت رموز QR تُستخدم كمستودع لمعلومات بسيطة: نصوص، عناوين مواقع، أرقام هواتف. مع الوقت، ومع تطور التشفير والبنى التحتية للبنوك والتطبيقات، صارت هذه الرموز تُحوّل مباشرةً إلى روابط دفع — أي أن المستخدم يفتح التطبيق المصرفي أو المحفظة الرقمية لإتمام المعاملة فورًا.
أحد المزايا الفورية هي السرعة وسهولة الاستخدام: لا حاجة لإدخال رقم الحساب أو تفاصيل يدوية عند الدفع في كشك أو محل، بل فقط مسح بطبيعة الحال.
بالنسبة للتاجر، تتيح QR بديلاً منخفض التكلفة مقارنة بتركيب أجهزة نقاط البيع المعقّدة (POS) في بعض الحالات، أو كخيار إضافي يُكمل البنية الرقمية.
لكن كما تقول بعض الدراسات، المزايا التي تجعل QR محبّبة وسهلة الاستخدام هي نفسها ما تُسهّل الاستغلال عند وجود نقاط ضعف أو تعامل متهور من المستخدمين.
أمثلة حقيقية لمخاطر هجمات باستخدام QR
إليك بعض قصص واقعية ووقائع تم رصدها مؤخرًا:
- استبدال رموز الدفع في مواقف السيارات في مدينة دنفر بالولايات المتحدة، وُضعت ملصقات QR زائفة فوق الرموز الحقيقية في مواقف الشوارع، وعندما يمر المستخدم ويمسح الكود، يُوجّه إلى موقع مزيف يُسرق منه بياناته أو يُحوّل المبلغ إلى حساب المهاجم.
- هجوم «quishing» (الاحتيال عبر QR) في المملكة المتحدة، ذكرت صحيفة The Guardian أن مستخدمًا لمس كود في موقف سيارات، فبدأت خطوات دفع مزيفة، ثم تلقي اتصالات تدّعي أنها من البنك، وأخيرًا اكتشف أن عليه مديونية قدرها آلاف الجنيهات الاسترلينية.
-تقرير Action Fraud البريطاني: بين أبريل 2024 وأبريل 2025، تم تسجيل 784 بلاغاً عن هجمات quishing، وخسائر مالية تقدر بـ 3.5 مليون جنيه استرليني تقريبًا.
- طرود مجهولة مع QR محتال: حذّر مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) من عمليات إرسال طرود عشوائية تحتوي على رمز QR، وعند مسحه يُطلب من المتلقي إدخال بيانات شخصية أو تحميل تطبيق خبيث.
كيف يهاجم المهاجمون؟
لفهم كيف يمكن أن تستغل رموز QR في الجرائم الرقمية، إليك أبرز الأساليب التي يتبعها المهاجمون:
1. تغطية الكود الأصلي (Overlay / Cloning):
يلصق المهاجم رمزًا QR مزيفًا فوق الرمز الحقيقي في موقع عام — ككشك دفعات أو موقف سيارات — وعند المسح يُحوِّل الدفع إلى الحساب المزيف.
2. خرق الاتصال أو الحقن (Leverage / Injection):
الكود يقود إلى موقع مزيف يطلب منك إدخال بياناتك البنكية أو تحميل برنامج خبيث على الهاتف.
3. هجمات “Quishing”:
وهو اختصار لعبارة “QR + Phishing” — تُرسل رموز QR في رسائل البريد أو الرسائل النصية أو مواقع التواصل، مضمّنة رسالة مشروعة، مثل «اضغط هنا لتأكيد الدفع» أو «نزل التطبيق الآن».
4. تقسيم الكود أو تضمينه داخل صور (Steganography / Nested QR):
التقنية المتقدمة التي تُقسّم الكود أو تخفيه داخل صورة، حتى لا يلاحظه الفاحص البصري في البداية. هذه الأساليب يُطلق عليها Tolling أو خداع بصري.
5. استخدام تطبيق ماسح غير موثوق / خبيث:
بعض التطبيقات المخصصة لمسح QR قد تطلب أذونات واسعة على الهاتف (كالوصول للملفات أو الشبكة)، وتستغل ذلك لتسريب معلومات. يوصى باستخدام الكاميرا المدمجة للهاتف أو ماسحات معروفة وآمنة.
6. استغلال الثغرات في البروتوكولات أو الاتصالات الوسيطة (MitM أو Relay):
إذا كان الاتصال غير مشفّر أو كانت هناك نقطة وسيطة، يمكن اعتراض بيانات الدفع المرسلة من الهاتف إلى الخادم، أو إعادة توجيهها.
ما الذي يخسره المستخدم والمؤسسة؟
- خسارة الأموال مباشرة: في أسوأ السيناريوهات، يُحوَّل المبلغ إلى حساب المهاجم، وقد يستغرق استرداده وقتًا طويلًا أو قد لا يُسترد إطلاقًا.
- الاختراق المالي أو البنكي: إذا دخل المستخدم بيانات حسابه على موقع مزيف، قد تتاح للمهاجم السيطرة على الحساب البنكي أو بطاقته الائتمانية.
- سرقة الهوية / البيانات الشخصية: قد يُطلب من المستخدم إدخال بيانات مثل الرقم القومي، رقم البطاقة، الرمز السري، ربما الصورة أو التوثيق، فيوقع الضحية في فخ سرقة الهوية.
- تحميل برمجيات خبيثة (Malware / Spyware): الكود قد يحفّز تنزيل تطبيق أو ملف خبيث يُشغّل نفسه ويجمع بيانات من الهاتف.
- فقدان سمعة تجارية: إن تعرض متجر أو مزود خدمة لهجوم يُستخدم فيه رمز QR مزور، قد يُقال أن الجهة «مسؤولة» أو «غير آمنة».
- تعطيل العمليات أو خسارة العملاء: شك المستخدمين في سلامة المنصة قد يؤدي إلى تراجع الثقة والابتعاد عن الدفع الرقمي في تلك الجهة.
التوصيات لحماية نفسك والمؤسسات
إليك قائمة بالإجراءات التي يُنصح باتباعها لتقليل المخاطر:
للمستخدم العادي
1. تحقّق من المصدر قبل المسح:
فقط امسح رموز QR من جهات تعرفها أو موثوقة، مثل الملصقات الرسمية في المتاجر أو الكوبونات المعروفة. اتجنّب المسح العشوائي في الأماكن العامة.
2. استعمل الماسحات التي تُظهر الرابط قبل التوجّه إليه:
كثير من الهواتف تظهر عنوان URL بعدما يتم المسح، فراجع الكود أولاً، وانظر هل يبدو معقولاً. إذا بدا غريبًا أو لم يبدأ بـ “https” أو يحتوى على أشياء مشبوهة، لا تكمل.
3. لا تُدخل معلومات حساسة مباشرة:
إذا طُلب منك إدخال كلمة مرور أو معلومات حسابك المصرفي بعد المسح، كن حذرًا جدًا.
4. احتفظ بتحديثات الأمان على هاتفك وتطبيقات الحماية:
وجود حماية قوية تُقلل من فرص استغلال ثغرات للتثبيت الخفي للتطبيقات الخبيثة.
5. استخدم المصادقة المتعددة (2FA):
حتى في حالة سرقة كلمة المرور، وجود طبقة تحقق ثانية يقي من الاستيلاء الكامل على حسابك.
6. استخدم البطاقات أو المحافظ الرقمية التي تُقدّم حداً أقصى أو إشعارات فورية:
إذا تم سحب مبلغ غير معتاد، ستُكتشف الأمر بسرعة.
7. راقب نشاط حساباتك بانتظام:
افحص الكشوف البنكية بشكل دوري. إذا رأيت أي معاملة مشبوهة، تواصل مع البنك فورًا.
للمؤسسات والمتاجر
1. حماية الرموز الفيزيائية:
ضع رموز QR ضمن إطارات أو أماكن يصعب تعديلها، بحيث لا يمكن لصق رمز فوقها بسهولة. استخدم ملصقات أمان أو علامات مائية.
2. التدقيق الدوري:
تحقق بانتظام من رموز QR في المتجر، خصوصًا في الأماكن المعرضة للتلاعب مثل المداخل أو نقاط الدفع.
3. إضافة إشعارات للمستخدم:
عند المسح، أظهر تنبيهًا بأن هذه المنصة رسمية، أو اطلب تأكيدًا إضافيًا من المستخدم.
4. استخدام حلّ رصد وتحليل رموز QR داخلياً:
يمكن استخدام أدوات أمنية لتحليل محتوى الكود فور إنشائه، وفحص ما إذا كان يحتوي على روابط مشبوهة أو تحويلات متعددة.
5. التوعية والتدريب:
تدريب الموظفين على كيفية اكتشاف الرموز المزيفة، وتنبيههم لعدم السماح لأي شخص بلصق ملصق فوق الكود أو تغييره.
6. اختيار مزود خدمة QR آمن:
استخدم مزودين ذوي سمعة جيدة يُوفّرون التشفير، والتحقق من الروابط، والمراقبة الأمنية.
لا يوجد تعليقات بعد كن اول من يعلق.
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّة واحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.