يشهد قطاع التجارة الإلكترونية في العالم العربي نمواً متسارعاً خلال السنوات الأخيرة، مدفوعاً بتوسع استخدام الإنترنت وانتشار الهواتف الذكية وزيادة الاعتماد على التسوق عبر المنصات الرقمية. ومع ذلك، يظل الدفع عند الاستلام (Cash on Delivery) خياراً مفضلاً لدى شريحة كبيرة من المستهلكين، رغم ما يفرضه من تحديات على الشركات العاملة في هذا القطاع.
ثقة محدودة في الدفع الرقمي
تشير تقارير سوقية حديثة إلى أن ما بين 50% إلى 70% من عمليات الشراء عبر الإنترنت في عدد من الأسواق العربية ما زالت تتم عبر الدفع عند الاستلام. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، أبرزها:
-ضعف الثقة لدى المستهلكين في الدفع الإلكتروني وخوفهم من عمليات الاحتيال.
-محدودية انتشار البطاقات البنكية وحسابات الدفع الرقمي في بعض الدول.
-غياب ثقافة الدفع المسبق، حيث يفضل المستهلك التأكد من استلام السلعة أولاً.
تكلفة إضافية على الشركات
ورغم أنه يمثل حلاً عملياً لكسب ثقة المستهلكين، إلا أن الدفع عند الاستلام يفرض أعباء مالية وتشغيلية كبيرة على شركات التجارة الإلكترونية، حيث يؤدي إلى:
-ارتفاع نسب المرتجعات: بعض العملاء قد يرفضون استلام الطلبات عند وصولها، مما يكبد الشركات خسائر لوجستية مباشرة.
-زيادة تكاليف التشغيل: جمع الأموال نقداً يتطلب موظفين إضافيين وإجراءات محاسبية أكثر تعقيداً.
-تأخير في التدفقات المالية: على عكس الدفع الرقمي الفوري، تحتاج الشركات إلى أيام أو أسابيع لتحصيل المبالغ النقدية.
محاولات لتقليل الاعتماد عليه
تحاول الشركات العاملة في التجارة الإلكترونية دفع المستهلكين نحو الاعتماد على وسائل الدفع الرقمية من خلال:
-تقديم خصومات وعروض حصرية عند استخدام المحافظ الإلكترونية أو البطاقات المصرفية.
-تطوير أنظمة دفع أكثر أماناً وبواجهة استخدام أبسط لطمأنة العملاء.
-التعاون مع شركات التكنولوجيا المالية (Fintech) لتوسيع نطاق حلول الدفع المبتكرة، مثل الدفع بالتقسيط أو ربط المحافظ بالهاتف المحمول.
بين ثقافة المستهلك ومستقبل السوق
يرى خبراء أن الاعتماد المفرط على الدفع عند الاستلام قد يعرقل تطور التجارة الإلكترونية على المدى الطويل، خصوصاً مع دخول لاعبين عالميين يعتمدون بشكل شبه كامل على الدفع الإلكتروني. كما أن التحول إلى المدفوعات الرقمية يساهم في:
-تعزيز الشمول المالي وزيادة الاعتماد على الاقتصاد غير النقدي.
-تسهيل نمو الشركات الناشئة في التجارة الإلكترونية عبر تقليل مخاطر التشغيل.
-فتح المجال أمام حلول تمويلية مبتكرة مثل "اشتر الآن وادفع لاحقاً" (BNPL).
مع توسع استخدام المحافظ الإلكترونية في مصر والسعودية والإمارات، وتزايد المبادرات الحكومية لدعم الشمول المالي والتحول الرقمي، يتوقع محللون أن تتراجع معدلات الدفع عند الاستلام تدريجياً خلال السنوات الخمس المقبلة، لتفسح المجال أمام أنماط دفع أكثر تطوراً.
لا يوجد تعليقات بعد كن اول من يعلق.
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّة واحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.